علبةُ مثلجات زرقاء اللون

 


أصبحت أختنق بوضوح أثناء جلوسي على ذلك المكتب الذي لم أعد مؤخرًا أشعرُ بالانتماء إليه، أنظرُ نحو انسياب خيوط شمس الغروب متحديةً ذلك القماش الذي يحجبها عنّا ومتسللةً من بينه، وصلتني رسالة، مساء الخير غسق نودّ منكِ أن تفعلي هذا وهذا

حسنًا.. سأفعل ولكن إلى متى؟ سيلاحقني ذلك الشعور بأنني أتعرضُ للاستغلال لكوني أنجزُ الأعمال على سرعةٍ ودقة، ظننتُ بأن تلك نقطة قوةٍ تحسب لي، ولكنّها أصبحت كالصخرةٍ التي تحني رقبتي، إن صحّ التعبير تلك الأعمال تخص أقسامهم، وبات ما أفعله مملًا لحدّ الموت، يفتقدُ البريق والوهج الذي كان عقلي سابقًا يوهمني به، ولكن أين الخيار الذي سيحقق لي الفِرار؟

لم أجد حتى الآن مكانًا يحتضننُِي، ويرحبُ بي، مكانًا راقيًا ولا يبدو كالمستنقع الذي يجمع الضفادع من حوله، مستنقعٌ يحوي جيفًا غارقة، ضحلّ وقذر... أشعرُ بالسوء على نفسي عندما أدرك بأنني حقًا في المكان الخطأ.

-حسنًا أرغب في الاجتماع معك لأنني لم أفهم شيئًا مما كتب -ولكنني فهمت- 

-إذن دعينا نجتمع الآن

انتهت المحادثة... قُبيل الاجتماع اختنقت وأطبق المكان من حولي على صدري هرعت لدورة المياه ذات الاضاءات البيضاء الساطعة بدت كئيبةً جدًا حينها، وأجهشتُ بالبكاء وأنا اعتصرُ ألمًا وشعورًا باللا إنتماء، وخوفًا من فقدان كل شيء من حولي، حتى نفسي

جلستُ على مرحاض ذلك المكان الضيّق الذي يُدعى بأنه دورة مياه، ورؤيتي تجاه تلك الاضاءة تتغبّش بسبب غورقت الدموع في عينيّ، حاولت أن أحكم السيطرةَ على نفسي وفي الحين ذاته أخشى أن تصبح تراكمات تلاحقني كالشبح المرعب في نهايةِ يومي، رفعت رأسي نحو المرآه ذات الصنبور المكسور أراقب تعابير وجهي، هل أبدو مثيرةً للشفقة؟ هل أنفي أحمرًا بشكلٍ ملحوظ؟

مرّت الدقائق وأنا أنظرُ بصمت نحو تلك الاضاءات مجددًا أنتظر علامات البكاء تختفي كما داهمتني في منتصف يومي، وبعد عدة دقائق بالفعل اختفت، دخلت إلى الاجتماع وأنتهى ومازلتُ أشعرُ بأنني في أي لحظةٍ سيغشى عليّ من فرط نقص الأوكسجين الذي أعاني منه، ولكن اخترت أن اتحرك ببطء نحو الخارج وإن كانت الشمس ستحرقني بلهيبها لا بأس، أريد أن أتنفس فقط.

خطت قدامي نحو متجرٍ لبيع الوجبات الخفيفة، ببطء أذهبُ نحوه، لا أعلم مالذي أوده تحديدًا ولكن شيئًا باردً صاقعًا يطفئ اللهيب الذي أشعرُ بهِ في صدري، وحينها وقفت أمام ثلاجة المثلجات ونظري تمركز نحو علبةً زرقاء اللون تحملُ زخارف لطيفة كتب عليها "مثلجات بالفانيلا والفراولة" نكهتّى المفضلة في علبةٍ واحدة؟ يا لَسعدي، ذهبت بها نحو ذلك المكتب الذي لم أعد أنتمي إليه وتناولتها ببطء وأنا أتلذذ بها وكأنني أنتقم مما حدث لي قبل قليل، انشرحت أساريري وبدت كل الضوضاء أهدى بكثير، بسبب عدة ملاعقٍ تناولتها من مثلجات الفانيلا والفراولة.

تعليقات