طائرٌ في قفص

 


حتى لا ابتلع الشعور، ويبقى غصةً في حنجرتي، هرعت بعد عودتي من عملي لجهازي اللوحي دون أن اتناول شيئًا أو حتى دون أن القي السلام على والدتي، أودّ أن اتقيأ هذا الشعور اللعين الذي تحشرج في حلقي، يخنقني بكل قسوة ويدفع برأسي نحوه ليرغمني على رؤيته والاحساس به.

اشعرُ بأنني طائرٌ في قفص، لا المكانُ مكاني ولا حتى الشعور بات يشبه شعورًا أألفه، مالذي حلّ بي؟ امقتُ بشدة بأن اشعرُ أن جهودي تصبّ في المكان الخاطئ كنهرٍ يصبُ في العدم، اخشى أن افني عمري في مكانٍ لا عائد ورائه، في مكانٍ لا يحتمل حجم حلمي أو حتى طموحي، خنقتني المشاعر بيديها العاريتين في منتصف عملي، وهرعت نحو غرفة الاستراحة احاول كبح جماح تلك الدموع التي تريد أن تخرج في التوقيت والمكان الخاطئ، يالهي لماذا أشعرُ بأن جهودي تذهب ادراج الرياح وبأنني كل شيءٍ أقوم به كمثل تناثر زهور الهندباء في ليلةٍ عاصفة، فلا تدري أين تأخذ بها الريح أو حتى مالذي ستفعله بها، يالهي هل هذا هو مكاني؟ هل أنا اصبّ جهودي في مكانٍ لا يحتمل الحجم الهائل من الطموح الذي احمله؟ يالهي ارشدني دعني أرى الطريق بعينيّ الخاليتين من الحُكم، دعني أرى الحقيقة التي تحاول نفسي تزييفها.

ذرفت الدموع تحت شمس الغروب البرتقالية، دمعة ساخنة سقطت على وجنتي، ونظرت نحو السماء الممتلئة جزئيًا بالغيوم التي لطخها ضوء الغروب، وتمتمتُ بالدعاء الخفيّ "إلهي أرجوك أن لا تذهب جهودي سُدى، وأن لا افني عمري وجهدي في المكان الخاطئ، إلهي أرجوك أن تأخذني لمكانٍ يشبهني، يشبه السمو الذي اطمح له، يشبه جسارة حلمي، ويشبه وميض الشغف في عينيّ، إلهي كن معي في كل خطوة فإنني بدون دعمك أتوه واختفي، إلهي لا تدع جهودي تذهبُ سدى، فبدأتُ أشعرُ بأن ليس المكانُ مكاني، ولا الرياح رياحي".

هل تلك المشاعر هي لحظةٍ عابرة؟ أم وميض ضوءٍ أحمر يجب عليّ أن انظر نحوه وأتصرف تجاهه تصرفًا مختلف، مالذي سيأولُ إليه ما يحدث في حياتي الآن؟ اخشى أن تنطفئ النار التي تقتدّ بداخلي، وأن تبقى رمادًا بائسًا لطيلة عمري، اخشى أن الطائر يُقتل قبل أن يغادر القفص، أخشى أن افقد كل شيء قبل أن اتذوق لذّة حريّتي.

كنّ معي إلهي، وأجعلني أحلقّ بعيدً كطائرٍ حرّ لا يعلم ماهو القفصُ حتّى...

تعليقات