خلق الإنسان بطبيعته في كَبَد، عناءٍ مستمر دون جدوى يرغب بالمزيد في كل يوم وعند حصوله على مايرغب يبدأ بالركض خلف شيءٍ آخر، في سباقٍ لعين لا ينتهي الا بموته.. وأقصد بالانسان هنا نفسي.
نعم نفسي، فحين تخرجت من الجامعة دخلت في نوباتٍ لا تنتهي من الأفكار السوداوية والغضب تجاه كل شيء يجب علي الحصول على وظيفة بأي طريقةٍ كانت، فكنت ابعث برسائلٍ على الايميل تصل لمئة رسالة في اليوم لشركاتٍ عديدة، قضيتُ شهورًا أكلُ نفسي من الداخل والخارج اشعر بالغضب من كل شيء وأشعر بأنني اقفُ وحيدة في نقطة الإنطلاقة لسباقٍ نفخ الحكم في صفارته منذ وقتٍ طويل، كان هذا النوع من الأفكار يقتلني، استيقظ على فكرةٍ واحدة وأعود للنوم بنفسها، ذهبت لمقابلاتٍ شخصية كثيرة رفضت بأغلبها، وحين تقفلت جميع الأبواب حصلت اخيرًا على وظيفة! ياللروعة! الان كل شيء في رأسي سيهدئ صحيح؟
لم يهدئ وباتت لديّ مخاوفٌ جديدة، وبت اخشى أن افقد مهاراتي في الكتابة، لأنها اصبحت لقمة عيشي عوضًا عن كونها هوايتي الأحب لقلبي، خشيت أن أصل يومًا ما لمرحلةٍ أبغضُ فيها الكتابة وأشعرُ بالغثيان عندما تنقر حروفي على جهازي اللوحي، أو حتى أفقد ذلك الشعور الرائع الذي يساورني حين أكتب.
أصبحت ملزمة بعملاء يقدمون رغباتهم وأنفذها بحروفي، لعدة اسابيع كنت فيها امرأة دين ومرشدة سياحية ومسوقة لخدمات ومحامية أيضًا ، احب التنوع صحيح، ولكنهم يمقتون الإبداع، يريدون شيئًا يدرّ عليهم بالأرباح فقط، لوهلة الان ادركت بأنني أبيعُ حروفي لأجل شخصٍ آخر، وتلك الحروف هي التي تضمن نزول مرتبي في نهاية الشهر، لا داعي للمبالغة صحيح؟ نعم لدي ذلك النوع من الشخصيات البغيضة التي تبالغ في كل شيء واتمنى أن اتخلص من تلك الشخصية لأنها مقرفة.
في الأسبوع الماضي ساورتني العديد من الأفكار، وبات عقلي ينبض ألمًا وعيناي تؤلمني، أضجعُ على كنبةٍ سوداء في غرفة الاستراحة اخبرني المدير بحديثه الذي لا نهاية له عن إنجازاته وكونه الرجل العصامي الذي وصل اخيرًا -يزعجني حديثه دائمًا لأنه يبالغ ولكنني احاول مجاراته حتى لا اخسر عملي- بأن تلك الكنبة كان لها تاريخٌ طويل وقد انتقلت من المكتب القديم للجديد وعاصرت العديد من المضطجعين أمثالي -من شدة الإرهاق- بات حديثي كثيرًا وأشعرُ أن شقيقاتي لم يعد لديهنّ الطاقة للإستماع وأنا متأكدة بأن ذلك طبيعي لأنني بت أتحدث ضعف المعدل الطبيعي للإنسان، لأن عقلي لم يتوقف عن التفكير وسبيلُ تفريغ هذه الأفكار هو أنني اتحدث دون توقف حتى اهدئ من ضجيج الأفكار في عقلي، توقفت مؤقتًا عن الكتابة هنا في المدونة والكتابة في مذكراتي أيضا لأنني اشعر بالفوضى ، ولكن متأكدة حين أكتب واحاول الموازنة سيكون كل شيءٍ بخير ويهدئ ضجيج أفكاري.
توقفت قليلًا عن الكتابة قبل ساعة لتناول العشاء مع والدي وشقيقتي، وعدت الان لتدوين مشاعري ولكن قبلها شاهدت مقطعًا لعواصف وسألتُ شقيقتي، إن كانت العواصف شعورًا ماذا ستكون؟ اخبرتني ستكون الغضب...
وحينما عاودت بالسؤال لشقيقتي الاخرى اخبرتني بأنها تشبه القلق.
وأنا اشعرُ بأن لو كان العواصف شعورًا هي خليط مابين اليأس والقلق ، شعورٌ مريع لا يدرك نهايته.
اعود بالحديث مجددًا لعملي، أخرج منه وقد شارفت الشمس بالغروب، وقتي المفضل لسيلٍ من الأفكار ومشاعر كثيرة، أفكر بروايتي التي اغلقت مسودتها الأولى ولم اعد لمراجعتها وشعورٌ يلحّ علي بنشرها قبيل بداية السنة الميلادية القادمة، ولكن هل سأستطيع في هذه المدة القصيرة من انهائها؟ لا سيما بأنها ستحتاج لتعديلاتٍ كثيرة آه يا لتلك الأفكار، بدت أشعرُ بأنني اركض في دوامة اخشى أن لا استطيع اتمام مهاميّ وأخشى أن لا اكتب شيئًا يعجب اولئك العملاء المتطلبين، وأخشى نفسي ومستقبلي ومشاعري، متى سأصبح شجاعة وأقف في وجه أفكاري واصفعها وأخرسها لتصمت للأبد دون أن تجعلني اشعرُ بالمزيد من الاعباء التي لا تتوقف .
اترون هذه التدوينة محملة بعواصفٍ من الأحاديث العشوائية، رغبت في كتابتها في نهاية أسبوع طويل راودتني العديد من المشاعر فيه، ونهاية شهرٍ خضت فيه العديد من التجارب والتحديات التي آمل أن تكون سببًا لذهابي نحو القمة التي اطمح للاعتلاء نحوها.
وداعًا، سأعود مجددًا ولكن آمل أن اعود محملة بطاقةٍ رائعة.
تعليقات
إرسال تعليق