في المرة الأولى التي سمعت بها بكلمةِ «هوّة» كانت في سؤالٍ لمقابلةٍ شخصية حضيتُ بها اثناء دراستي الجامعية من أجل الإنضمام بمسمى كاتبة ضمن فريقٍ تطوعي، انتابني خجلٌ بسيط لكوني لا أعرف معناها، كحالي مع بقيةِ أمور حياتي، حينها بحثت مطولًا عن تلك الكلمة التي تتكون من ثلاثة أحرف ولكنني لا أدرك معناها، اتضح لي بأنها "كل منخفضٍ من الأرض عميق جدًا، بعيدُ القعر." وتملك عدة من المعاني بإختلاف المفردات التابعة لها بالتأكيد، ولكنها تدور في دائرة الهاويةِ السحيقة، والتيه في غياهب المحيط.. شيئًا وحيدًا ومظلمًا بقدر تلك الأحرف الثلاث البسيطة، كانت تحملُ الكلمة شيئًا أعمق بالنسبةِ لي..
حينها أدركت شيئًا واحدًا، بأن حال تلك الكلمة يناسبني كثيرًا، يناسب أفعوانية مشاعري المضطربة، وحال أحلامي شاهقة العلو وحال طبيعة معيشتي ورؤيتي تجاه الأمور، وشعورٌ بغيض يجرنيّ للأسفل دائمًا يكنّى بالخبيث.
أعتقد بأن رؤية من هم أفضلُ مني يشعرني بشيءٍ من ذلك الشعور الذي ابغضُه بشدة، وأخشى أن أعترفُ به، يذكرني بأن هؤلاء الأشخاص سلكوا طرقًا أسرع مني، وأيضًا لابُد وأنهم أبرعُ مني، ومالذي أفعله أنا في هذه الأثناء؟ أقف لأصفق نحوهم ويعتصر قلبي ألمًا. ولكن هل ذلك يعني بأنني أريد أن استولي على حيواتهم؟ وحياتي؟ أملك حياةً تختلف عن حيواتهم، لدي تجارب تكاد أن تكون مجهولة بالنسبةِ لهم، والأهم ماهم الا شخصيات هامشية في حياتي، لماذا أقف لأجعل ذلك الشعور البغيض يستولي عليّ ويجرني نحو هوّته المظلمة؟
لماذا أسمح له في المقام الأول أن يجعلني شخصًا هشًّا ضعيفًا مثيرًا للشفقة تجاه نفسه؟
أريد أن أرى نفسي دائمًا الرقم الأول في كل شيء. ولكنني مجرد إنسان لست ذكاءًا اصطناعي سأكون ملمة بكل شيء في هذا العالم وأبرعُ به! مالذي يعنيه هذا أحاول معرفة مايدور بذهني، أدرك بأهمية الوصول بالنسبةِ لي، وبأنني أملك أمورًا تكادُ لا تحصى أود تحقيقها، ولكن لن أتقدم خطوة واحدة وذلك الشعور يقودني!
دوامة الأفكار تلك تصبُ في مصبِ فكرةِ واحدة، بأنني عندما أسلمُ عجلة قيادة حياتي لذلك الشعور، سيتداعى كل شيء وينهار، مسفرًا عن ذلك تدمر حياتي وأحلامي وأهدافي وكل ما آمله. في إحدى ليالي ديسمبر في سنة 2023 عقدت العزم أن أكتب مالذي سأتخلص منه من أجل بداية سنةٍ جديدة مليئة بالأمور الجيدة فقط، كان على رأس القائمة ذلك الشعور، وددت أن أنتزعه من داخلي وألقي به بعيدًا، حتى أستطيع رؤية الحياة من دون عدساته اللعينة التي تدمّر رؤيتي للأمور بل وقد تفسد بريقها تمامًا.
أشعرُ بأنني بدأت أنسى ماهيتي، وأنسى مالذي قد فعلته في حياتي حتى أصل لما وصلت إليه اليوم، ذلك الشعور اللعين الذي يحاول أن يستخف بتلك الأيام العصيبة التي قد تجاوزتها بفضل الله آولًا ثم نفسي يشعرني بالغضب!
إنني تجاوزتُ منعطفاتٍ كثيرة في حياتي، بذلت جهدًا كبيرًا وذرفت دموعًا لا تحصى، شعرت بالضياع لشهور، وعدت لنفسي لبضعةِ أيامٍ فقط، أقف على قدمي، عندما أنظر لوجهي في المرآة قبيل منتصف الليل وبيدي فرشاة أسناني، أهرع لتفكيك الأحجية وحل لغزٍ يكاد أن يهزمني لصعوبته، مالذي سيحدث إن جعلت زمام أموري في يد شعورٍ مثيرٍ للشفقة؟ مالذي قد أجنيه وقتها لماذا أقف عالقة لا استطيع التخلص منه! يجب علي أن اتمالك رباطة جأشي وأستيقظ من كابوس ذلك الشعور، وأرى واقعي وأسعى لما هو قادمٌ بإعتدال، فلا أحد سيسرق طريقي، أو يسرق حياتي مني، فقط يجب علي أن ادرك نفسي قبل أن تنزلق قدماي دون إدراكٍ مني في هوّة «الحسد» السوداء، وحينها سأفقد نفسي دون عودة...
أكتب هذا، فجر يوم الثلاثاء وأنا أحاول التخلص من ذلك الوحش قبل أن يتضاعف حجمه، وأشعر بأن لدي المزيد للحديث بتفاصيلٍ أكبر عنه، ولكن عقلي يتوقف ويديّ تأبى الكتابة بالمزيد عنه، هل سأستطيع هزيمته؟ أدعو بذلك كل ليلة، آمل أن أصل لما أريد يومًا ما، دون أن يقف هذا الشعور، أو غيره.. عائقًا لي.
تعليقات
إرسال تعليق