ظِلال تكمكمُ منزلنا..

 بدأ كل شيء قبل ثمانية أشهرٍ أو أكثر، عندما بدأت والدتي بالشكوى من الآمٍ في جسدها، هرعنا بها لمستشفى المدينة وتم إجراء اللازم لمعرفة مانوع العّلة التي تعاني منها، وأتضح أنها مصابة بارتفاع ضغط الدم المستمر، الذي اسفر عنه تناول أقراص الدواء لمدى الحياة حتى تحافظ على ضغط دمها في مستوى طبيعيّ، ولكن من هذه اللحظة بدأ كل شيء.
أخذت ظِلال القلق والأرق اللعين تُرافقها وأصبحت والدتي التي هي ركيزة منزلنا بالانهيار الشديد، تبدأ في منتصف الليل نوبات من الهلع تقضّ مضجعها ولا ترفّ لها عين حتى نرافقها لطوارئ المستشفى الذي يبعد نصف ساعة عن منزلنا.
تغرز الممرضة إبرة المغذي النحيلة في كفّ يدها التي أخذ الزمان معالمه عليه، ومن ثم تعود للمنزل كجثةٍ هامدة تستلقي دون أن تنبس ببنتِ شِفة.
كاد الأمر يقتلني، بدآ منزلنا كئيبًا خاليًا من الروح، نحاول جاهدين أن نتعايش ونقدم لها يد العون التي كانت ترفضها دائمًا وتختار الاستماع لحديث ذلك الطبيب الذي يخبرها بأن تحاليلها سليمة تمامًا وأنها بخير، ولكنها تقاطعه وتخبره بأنها بالتأكيد تشتكي من علةٍ ما!.
كان للطف الله العظيم دورًا في كشف الظلال وعودة المياهُ لمجاريها كما يقال، أصبحت والدتي بعد عدة أشهر من تلك المعاناة بخير.
عادت الحياة لمنزلنا وشعرت بأن تلك الأيام العصبية ولّت وانتهت، مضت الأيام وذهبت والدتي لزيارة جدتي وهي تخطط للإقامة في منزلها عدة أيام، حزمت حقيبتها وبدات سلسلة الوصايا المعتادة، لا تفوتوا وجباتكم، حافظوا على نظافة المنزل.
في ليلة ماقبل رحلتها، اخبرتني بأنها تشعر بشعورٍ مخيف، يعود بها لتلك الأيام القاسية ولكنني طمئنتها بأن كل شيء سيكون بخير بإذن الله، ويجب أن تستمتع في رحلتها نحو جدتي فمضت شهور عديدة دون أن تراها.
عصر اليوم التالي احتضنتها وودعتها، وبعد مضي يومٍ ونصف عادت نحو منزلنا. اخبرتني شقيقتي بأن تلك النوبات قد عادت لها وأصبحت في خوفٍ مستمر، وأخبرتهم بأنها تريد العودة للمنزل فورًا.
عادت لمنزلنا تلك الظلال المخيفة، وعادت نوبات الهلع لها مجددًا.
يؤلمني رؤيتها في هذه الحالة، تجوب المنزل كروحٍ هائمة، بهتت من عينيها تلك النظرة الدافئة.
بدت أكثر نحولًا، احتضنها مراتٍ لا تُحصى، اريد أن اُشعرها بأنني سأكون دائمًا بجانبها.
عندما اراها في تلك الحالة، اتذكر نفسي قبل سنتين من الآن عندما هاجمتني نوبات القلق والأرق بقسوةٍ شديدة، وسرقت أيامًا وشهورًا مني، كانت والدتي تحتضنني وأكون بين يديها طفلة، ترتجفُ خوفًا. تطبطبُ على ظهري وتحتضني بحبٍ شديد وتخبرني بأن كل شيء سيكون بخير. 
يعتصرُ الألم قلبي عندما أراها هكذا خائفة وتائهة وأشد يدي في احتضانها، على الأقل اريدها أن تشعر ولو بقليلٍ من شعور الأمان التي كانت تُشعرني به.

 إلهي العظيم أنقذها من جحيم الوساوس وخذها لطمأنينة تحاوط قلبها.

تعليقات